بتهمة تقويض النظام الدستوري أوامر بالقبض علي حمدوك وآخرين 

بأمر من الوالي منع لبس الكدمول بالشمالية 

السلطات بنهر النيل تمنع التجمعات وتكثف التفتيش عبر المعابر

محمد عبدالقادريكتب … متاهة حزب الامة ..لو كان الامام حيا!

تحقيق: مستشفى مروي التعليمي..."تهميش حكومي وتحرك شعبي "

الرئيسية مقالات عرض الخبر

فضل الله أحمد عبدالله يكتب.... الفريق الركن آدم هارون عودة عهد " الرجولات " التي تكره الضعف وتأبى الانحلال!

فضل الله أحمد عبدالله يكتب.... الفريق الركن آدم هارون عودة عهد " الرجولات " التي تكره الضعف وتأبى الانحلال!

2023/11/09 الساعة 08:05 ص
دكتور فضل الله أحمد عبدالله

ولأن المرء أصدق ما يكون عند نفسه ، فلا خير فينا أن نكتب ، دون أن نقول الأشياء لأنفسنا .

ولا خير فينا أن نكتب ، دون أن نقول عن السودان الذي نحمله دواخلنا .

وما السودان إلا في حياة الرجال الأفذاذ من أبناءه بسيرهم الآخاذة ، وأخبارهم التي تمنح النفوس العافية والطمأنينة .

أصحاب " الرجولات " الذين وهبوا ذواتهم ، وسكبوا مشاعرهم خالصة ، إحساسا بمآسي ومشكلات الوطن ، بالكتابة عنهم تعلمت كيف تكون الكتابة هوية . 

فالكتابة عندي ليست رغبة فقط ، الرغبة وحدها لا تكفي لكي نكتب ، حسب قول الكاتب النمساوي " بيتر هاندكه " يجب أن يضاف إليها الأسى .

أن نعيش الحياة ، في الصمود أمام تحديتها ، إنها رسالة في البحر يجب أن نوصلها إلى الشاطئ الآخر ، تلك مهمتنا ومسؤوليتنا .

على أساس ذلك المعنى ، أعمد في هذا المقال على إزاحة الستار عن صورة قائد عسكري سوداني مشبع بالأصالة السودانية . 
أسمه - كان ولا يزال - يعلو ذكره ، وقت إشتداد الكروب والأحزان التي لا يكون فيها النداء إلا لأصحاب العزائم الكبيرة .

ولن يكون ذلك الأسم إلا " الفريق الركن آدم هارون إدريس هارون " ..

وإزاحة الستار عن صورته ، لن تكون إلا من خلال أسئلة مركزية نضعها جملة .

أسئلة ندخل بها أغوار النفوس ، لا بغرض التوهان في شعابها .

وإنما لننحت بها الضمائر ، نلكزها ، نوقظها ، أن نضع الوقائع والأشياء في الضوء ، أو على الأقل نجعلها أقل ظلمة .

فالسؤال أصلا يسكن الذهن البشري ، مرافق له دائما ، يمنحه شوق الإكتمال .

والسؤال لك ، ولي أيضا :

لماذا فرح أغلب اهل السودان للقرار الذي أصدرته القيادة العامة للقوات المسلحة بإعادة الفريق الركن آدم هارون إدريس إلى الخدمة العسكرية ، ومن ثم ترتيب وضعه مباشرة في القيادة المتقدمة ، مشرفا على المتحركات الحربية بمنطقة وادي سيدنا العسكرية ؟

كيف نفسر ذلك الإرتياح الشعبي والفرح الذي بلغ الناس حد خدش قلوبها " وسالت مشاعرهم متوحدة ، صاعدة أعلى قمم الوطنية ؟ 
فما السر الذي يجمعهم به  ؟ 

وتلك هي طبيعة السودانيين ، إما يحبونك بعظمة لعظمة نفسك ، أو يكرهونك باحتقار لحقارة نفسك .

السودانيون يحبون بوله من يشبههم ، لا في الجسد فحسب ، بل في الصوت ، والرغبات التي يهجسون بها !
متيم بالسودان مثلهم روحا ، أن يكون قطعة من كيانهم ووجدانهم الجمعي المشترك !

ذلك من يخطف قلوبهم  ويأخذهم كالهبوب ، يفتنون به ، إلى أقصى الحدود !

ذلك هو الفريق الركن " آدم هارون إدريس هارون " قائد فذ " تريان " بمحبة السودان ، هكذا عرفوه حتى " شفط " محبة الناس جميعا .

الذين يعرفونه حقا ، يعرفون تأثيره الجوهري لا على مستوى العسكريين والمدنيين الذين رافقوهم مساندين لهم آوان حرب الجنوب فحسب ، بل حتى الأهالي في قراهم من الذين كان حظهم أن يكون " آدم هارون " قائدا لمحطة من المحطات ، أو ، الحاميات ، أو الفرق العسكرية عندهم ، فقد رأوا في الرجل مجمعا للرجولات الهائلة بكل حساسية المعنى .

والذين رافقوه في معارك تحرير مدينة " هجليج " خاصة يحكون عنه العجب العجاب ، جسارة مائزة ، والأعحب أنه غادر القيادة العامة متخفيا إلى هجليج رأسا مشاركا طوعا ملزما نفسه بالقتال دون صدور أي تعليمات من القيادة تلزمه بالإنضمام إلى القوة المكلفة بذلك المتحرك ، مفاجئا زملاءه من الضباط وضباط الصف والجنود .

ما دفعه لذلك إلا حسه الوطني الطامح ، وما الزمته إلا نفسه التي ترفض القعود ورفاقه في أتون المعارك دفاعا عن السودان .

الفريق الركن آدم هارون ، رجل ، لا يعرف المشي إلا على الخط العسكري المستقيم ، الخط الأقرب وصولا إلى تضاريس الوطن ومعنى الإنتماء إليه .

أدرك باكرا ، أن الإلتزام بالجيش محبة لا تنفصل مطلقا عن محبة أهل السودان ، محبة تستوجب إنكار الذات والفناء تضحية وفداء .

وهكذا إنبرى يحطم وثن " الأنا " مرتحلا عبر خطه الذي رسمه لحياته ، متنقلا من أقليم سوداني إلى أقليم سوداني آخر ، متقلدا المواقع ، من موقع إلى موقع آخر ، حتى وصل إلى موقع المسؤولية العليا رئيس هيئة العمليات المشتركة .

ومن الصفات المميزة أيضا للفريق الركن آدم هارون ، أنه رجل صاحب روح مثابرة ، متقن للعمل ، ودقيق في الكلام ، يحسب كلماته بميزان العقل والحكمة .

في كل خطوات حياته المهنية بمواقعها ومناصبها المختلفة في القوات المسلحة ، لم يشغل " آدم هارون " نفسه بلعاع الدنيا - وقد جاءت إليه منقادة - حتى في سنوات سودان ما بعد ديسمبر ، التي تعالت فيها منصات مزادات بيع الضمائر ، وأمام القيادة العامة للقوات المسلحة ، وباسم الإعتصام من أجل التغيير ، في عمليات تسويق بارعة للوطن ، تزينت بوجهاء البلد من كبار رجال الأعمال وقادة الأحزاب السياسية ، وقادة الكيانات المهنية ، وكبار الصحفيين وهتيفة الإعلام ، ولم يسلم من الدخول في سوق الغثاثة ، حتى بعض ضباط الجيش وقادة المؤسسات الأمنية والشرطية ، دخلوا جميعا يحملون ضمائر مهترئة لا تعرف قيمة الولاء الوطني ، يحتضنهم الأجانب من كل لون وبلد شراة للضمائر المتسخة و" الدلال " الأعظم " حميدتي الضكران الأدب الكيزان " والوطن فاقد للشراع والربان القوي الأمين ، حالة لا تصورها إلا كلمات " البردوني " :

" نمتطي موجةً إلى غيرِ مَرسى
إنْ وجدْنا رياحاً فقدْنَا الشِّرَاعا

وإلينا جاءَ الشُّراةُ تِباعاً
حبِلَتْ أخصبُ الجيوبِ تِبَاعا

لا يحسُّ الذي اشتَرَانا لماذا
والذي باع ما دَرى كيف بَاعا 

فتهاوى الذي تلقَّى وأعطى
وشمخْنَا مستهزئين جِيَاعا "

في ذلك الوقت بالتحديد ، باع من باع ، إلا العظماء من أهل الإنتماء الوطني ، وقف في مقدمة صفهم الأبلج ، الفريق الركن آدم هارون إدريس ، الجبل الأشم ، أعظم الممارسين لطقوس شغف جنون حب البلد .
لم يجعل للسفراء والأمراء مكانا في قلبه قط ، يعيش حياته بقوة ، مستقلا بذاته متحررا من أي أصفاد تكبح شغف حبه للناس والبلد ، والإلتزام المحض بأخلاقيات المهنة التي بايع عليها الله وحده . ممتثلا قول عبدالرازق عبدالواحد :

" أن تشهر السيف
   أو تشهر الغمد
   أن تنبري للقتال
    وأن تنبري للهزيمه

أن تعلنَ الفقرَ  حدَّ التَّسوّلِ
     أو تعلنَ الكبرياء العظيمة "

 آدم هارون ، شخصية لا تعرف الإختباء ، رجل لا يعرف الأقنعة ، يتقاسم نفسه مع الناس بكل بساطة . لحظة الوقوف أو الجلوس بجواره ، تحس بشيء من الرهبة ، فهذا هو الرجل الذي يمجده العساكر بمختلف رتبهم ، أينما وجدتهم ، وكذا يمجده الناس في بلداتهم القريبة والبعيدة ، ويصفونه بالأسطورة ، لكن ما أن تحادثه وتسمع صوته ، حتى يختفي منك كل ارتباك ، تحس بأنه قريب منك جدا كإنسان أولا ، وسوداني قح ، في المزاج وسماحة الطبع .
طليق اللسان ، كلماته بسيطة لكنها عميقة ، صوت متعدد الطبقات ، تواضع صادق غير متكلف ، ولا يتعارض مع كونه رجلا أنوفا ، صلد المراس ، قوي الشكيمة .

كثير ما قلت له ممازحا لم تترك من أنفة وتواضع أهلك شيء ، دمغوك بكل طبائعهم ، ثم زادت فيك العسكرية ما تشربته من والدك في استقامة عسكريته ، ذلك أن والده - تولاه الله برحمته وغفرانه - كان جنديا في القوات المسلحة ،
ضاربا في جذور الأسلاف الأماجد في " كرندق " و" درجيل " و" دروتي " آوان بطولاتهم التي جندلت أجساد الجيش الفرنسي ، تلك الصورة والصوت من التاريخ ، التي أعاد  إنتاجها  " الفيتوري "  :

" والخيل سنابكها تتوقد كالنيران
   ومضى السلطان يقول لنا ، ولبحر الدين

هذا زمن الشدة يا أخواني
فسيوف الفرسان المقبوضة بالأيدي
تغدوا حطبا ما لم تقبضها بالإيمان
والسيف القاطع في كف الفارس
كالفارس يحلم بلقاء الفارس

وترجل تاج الدين ،
جبل يترجل مزهوا من فوق 

وترجل بحر الدين
وحواليه عشرة ألف رجل
سجدوا فوق رمال دروتي لله معه "

وذلك أن الفريق الركن آدم هارون أدريس هارون " ولد في ذلك المكان من أرض السودان ، في قلب " دار مساليت " ومركز روحهها " الجنينة " أصل والديه ، وأصل أسلافه .

ولد آدم هارون إدريس في تلك البقعة من دار مساليت نشأ وترعرع في كنف والده بإهاب عسكريته وبركات أصالته ، فصاغ موهبته العسكرية من الأب ، ثم كده الخاص ، وبعد نيله للشهادة السودانية إلتحق بالكلية الحربية السودانية الدفعة " 32 " وقضى اغلب سنوات عمره متنقلا من مكان إلى مكان ، مثلما كان يتنقل به والده أثناء صباه ، في جميع بقاع السودان . وفي العام 1996م تم إختياره معلما بالكلية الحربية حتى العام 2005م .

يشهد طلاب الكلية الحربية من الذين درسوا على يديه - الضباط الآن - المنتشرين في كل مفاصل القوات المسلحة أن الفريق آدم هارون إدريس حالة عسكرية إنسانية إستثنائية ، ونادرة ، عبقرية فطرية صاعقة .

ولعل ذلك ما جعله في تضاد مستمر ومتصاعد مع " محمد حمدان دقلو " حميدتي " ومليشياته ، كراهية غريزية لهم ، منذ مرحلتهم الجنينية " حرس الحدود ، حتى تاريخ إبعاده ، وإنهاء خدمته بالقوات المسلحة وهو وقتها رئيس هيئة العمليات المشتركة في القيادة العامة العليا للقوات المسلحة السودانية .

أغلى هدية قدمها الرئيس البرهان للشعب السوداني - لعلها الأولى - منذ توليه السلطة في السودان . 
أن يقرر إعادة الفريق الركن " آدم هارون إدريس هارون " إلى الخدمة العسكرية .

وفي هذا الوقت الاستثنائي من حالة الدولة السودانية التي وهنت أنفس كثير ممن يتولون أمانة البلد في أغلب مؤسسات الدولة . وضعفت أمام إغراءات عطاء الأجنبي المستعمر ، وقليل جدا هم " الناصحون الحسنو النية " أو النصلحون الذين يمكن أن يبادروه بكلام لصالح إستقلال السودان وعزته ، وأكثرهم أبواق للإستعمار ، تسببوا على أن يكون هذا الواقع الرجراج المهزوز المربك الذي نعيشه .

فحالة التشظي الذي يراه جميع أهل السودان ، وقلقهم على كيانهم . جعلهم في حالة ترقب إلى بارقة أمل تعيد ترتيب الأشياء .

ذلك هو دافع هذه الفرحة العريضة بعودة  " آدم هارون " فرح يوازي انبهار الطفل بهدية غير متوقعة .

عسى أن تكون فأل إلى عودة عهد الرجولات العوالي في السودان .

وهنا نسكت عن بعض القول إلى حين ملتمسين قول محمد مهدي الجواهري :

" سكُت وصدري فيه تغلي مراجلُ 
 وبعض سكوتِ المرءِ للمرءِ قاتلُ
وبعضُ سكوتِ المرءِ عارٌّ وهُجْنَةٌ
 يحاسَبُ من جّراهُما ويُجادَل
ولا عجبٌ أنْ يُخْرِسَ الوضعُ ناطقاً
 بلى عجبٌ أنْ يُلْهَمَ القولَ قائل "

 

المصدر: التاكا نيوز

الأكثر قراءة