منذ أن سقطت فلسطين في قبضة الاحتلال، بدأ مسلسل لا يتوقف من المعاناة يحاصر الفلسطينيين جراء سياسات سلطات الاحتلال التي استهدفت الشعب الفلسطيني بكل مقدراته ومكوناته وتفاصيله اليومية، من خلال جملة من الممارسات التعسفية من قتل، وجرح، واعتقال، وتشريد وإبعاد، وإقامة جبرية، ومصادرة أراض واستيطان، وجدران، وحواجز، وبوابات، واقتحامات، وحظر تجول، وحصار؛ والقائمة تطول.
لم يكن الطفل الفلسطيني بمعزل عن هذه الإجراءات التعسفية التي تمارسها سلطات الاحتلال، بل كان في مقدمة ضحاياها، رغم الاتفاقيات والمعاهدات والمواثيق والقوانين الدولية التي تنص على حقوق الأطفال وفي مقدمتها "اتفاقية حقوق الطفل"، التي تنادي بحق الطفل بالحياة والحرية والعيش بمستوى ملائم، والرعاية الصحية، والتعليم، والترفيه، واللعب، والأمن النفسي، والسلام.
معاناة الطفل الفلسطيني
لقد شكلت عمليات استهداف الأطفال الفلسطينيين وقتلهم سياسة ثابتة اتبعتها القيادة السياسية والعسكرية الإسرائيلية، واعتُمدت على أعلى المستويات ما يفسر ارتفاع عدد الشهداء الأطفال، حيث وثَّقت المؤسسات الحقوقية للدفاع عن الأطفال في فلسطين استشهاد 2094 طفلاً على يد جيش الاحتلال الإسرائيلي منذ عام 2000م، أي مع بدء انتفاضة الأقصى وحتى آذار 2019 منهم 546 طفلًا فلسطينيًا خلال عام 2014م، معظمهم ارتقوا خلال العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة.
بالإضافة إلى جريمة إحراق وقتل الطفل المقدسي الشهيد محمد أبو خضير، بعد أن اختطفه المستوطنون، وجريمة إخراق عائلة دوابشة في داخل منزلهم قرية دوما جنوب مدينة نابلس، وقصف طائرة إسرائيلية دون طيار ثلاثة أطفال خالد بسام محمود سعيد (13عاما)، وعبد الحميد محمد عبد العزيز أبو ظاهر(13عاما)، ومحمد إبراهيم عبد الله السطري (13عاما)، بصاروخ، شمال شرق مدينة خان يونس، ما أدى إلى استشهادهم، وهذا يعد جريمة حرب يجب أن تعاقب عليها إسرائيل.
وفي عدوان قوات الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة في أيار 2021 "والذي استمر 11 يوماً" كان أطفال فلسطين في رأس قائمة بنك الأهداف الإسرائيلي، حيث أرتقى نحو 72 طفلاً جراء قصف الطائرات الحربية الإسرائيلية منازلهم بوحشية، لدرجة أن بعض العائلات أبيدت بكاملها رجالاً نساء وأطفال كعائلة أبو حطب، وأبو عوف، واشكنتنا، وعائلة القولق.
وبشكل عام، تعود معظم حالات استشهاد الأطفال بشكل أساسي، إلى الأعمال العسكرية الإسرائيلية، ومخلفات الحروب والألغام، وخصوصًا في غزة؛ وإلى عنف جنود الاحتلال والمستوطنين في الضفة الغربية.
عقوبات ضد الأطفال
يؤكد متخصصون أن أطفال فلسطين -خاصة أطفال القدس– مستهدفون من إقرار الكنيست الإسرائيلي قانونا يشدد العقوبة على رامي الحجارة تجاه آليات وجنود الاحتلال والمستوطنين.
وحسب معطيات فلسطينية، فإن أغلب راشقي الحجارة من الأطفال دون سن الـ 18، يعرضون على محاكم عسكرية لا يتوافر فيها الحد الأدنى من العدالة، وصدرت بحق كثيرين منهم أحكام بالسجن وصلت أحيانا إلى عامين.
وينص القانون على السجن الفعلي عشر سنوات على كل من يلقي الحجارة دون حاجة لإثبات نيته التسبب بضرر أو إصابة، والسجن عشرين عاما على من يثبت إلقاؤه الحجارة بهدف إلحاق الضرر المادي أو الجسدي.
أيقونات تجسد المأساة
في كل حرب وعملية تصعيد عسكري إسرائيلي على غزة في العقدين الأخيرين، يتحول الأطفال الضحايا إلى "رموز" تخلد المأساة التي يعيشها أطفال غزة، وما يتعرضون له قتلًا وجرحًا وحصارًا.
مع مطلع انتفاضة الأقصى سبتمبر2000، خلد التاريخ الطفل محمد الدرة 12 عامًا بصورته التي جابت أرجاء المعمورة، وهو يحتمي بظهر والده من الرصاص الإسرائيلي المنهمر عليهما في "مفترق نتساريم"، الذي لا يزال يحمل اسم المستوطنة الإسرائيلية التي كانت متاخمة لها غرب غزة، وجرى تفكيكها مع الانسحاب الإسرائيلي عام 2005.
ومنذ ذلك الحين، لم تنقطع سلسلة طويلة من الأطفال الضحايا، أبرزهم إيمان حجو، وهدى غالية، وجميلة الهباش، وآخرون مسحتهم إسرائيل وأسرهم بالكامل من السجل المدني الفلسطيني، ودفنوا تحت ركام منازلهم خلال الحروب الأربع الماضية على غزة.
في آخر تلك الحروب، التي اندلعت مايو 2021، برز اسم الطفل الشهيد حمزة نصار 12 عامًا الذي كان صائما وخرج من منزله بحي الشجاعية شرقي غزة، قبل ساعات من موعد الإفطار لشراء بعض الخضار لأسرته من سوق الحي الذي يبعد نحو كيلومتر واحد عن المنزل، لكنه لم يعد، بفعل غارة جوية إسرائيلية نالت من جسده الصغير وألقت به على بعد أمتار. وآنذاك، انتشرت صورة حمزة وهو مسجى في كفنه الصغير وتعلو وجهه ابتسامة بريئة.
ومع اللحظات الأولى للتصعيد الإسرائيلي الحالي على غزة، ارتقت آلاء قدوم (5 سنوات) جراء شظية صاروخ إسرائيلي اخترقت رأسها، بينما كانت تلهو أمام منزلها في حي الشجاعية ذاته.
آثار الانتهاكات
يعرّض استمرار هذه الانتهاكات مستقبل الأطفال الفلسطينيين والمجتمع لمخاطر نمائية وتنموية، إذ يعاني الأطفال المحررون من اضطراب ما بعد الصدمة، التي تؤدّي إلى آثار نفسية اجتماعية على صعيد الأفراد، فيواجه ضحايا الأحداث الصادمة مثل الحروب والاعتقالات والاعتداءات الجسدية والجنسية خلال الاعتقال وغيره صعوبات في الانغمار في الحياة بشكل طبيعي، إذ يعيشون حالة من الإنذار المستمرّ، لذا فإنهم معرضون لاضطرابات الاكتئاب والقلق والهوس القهري ومتلازمة الشخصية الحدية.
وفي حالة الأطفال تحديدّا، فإن نماءهم وازدهارهم وأفقهم في التعليم والتفوّق يضمحلّ، لأن الأحداث الصادمة تؤثر على معدّلات ذكائهم وتحصيلهم وقدرتهم على الانسجام في بيئات التعليم والعمل، وبناء العلاقات مع الآخرين بشكل صحّي.
توصيات وحلول
لابد من تدعيم نظام خدمات الدعم النفسيّ الطارئ والمستدام للمجتمع الفلسطيني، أطفالًا ومراهقين وبالغين، من أجل تخفيف حدّة الضرر الحاصل عليهم نتيجة الانتهاكات التي تعرضوا لها في طفولتهم، وإدخالها في المنظومات التعليمية والصحيّة بشكل ناجع.
العمل على السّاحة الدوليّة من أجل الانتفاع ممّا توفّره المنظومة الدوليّة من وسائل مساءلة ومحاسبة، وربّما ردع، لانتهاكات الاحتلال تجاه الأطفال، دون حساب للمضايقات التي قد يوقعها الاحتلال عليها، لأنّ ردع الاحتلال يعني وقف هذه المضايقات بكل الأحوال
المصدر: التاكا نيوز